وللحب عند العرب منازل ومراتب متعددة، وأول مراتبه الهوى وهو الميل إلى المحبوب، ويليه الشوق وهو نزوع المحب إلى لقائه، ثم الحنين وهو شوق ممزوج برقة، ويليه الحب وهو أول الألفة، ثم الشغف وهو التمنى الدائم لرؤية المحبوب، ويليه الغرام وهو التعلق بالمحبوب تعلقا لا يستطيع المحب الخلاص منه، ثم العشق وهو إفراط فى الحب ويغلب أن يلتقى فيه المحب والمحبوب، ثم التتيم وهو استعباد المحبوب للمحب، ويليه الهيام وهو شدة الحب حتى يكاد يسلب المحب عقله، ثم الجنون وهو استيلاب الحب لعقل المحب.
كنت بفكر أنزل أتمشى شوية وكسلت كالعادة. قعدت ع الكومبيوتر أشوف أحوال الناس.. وطلع لى واحد يقنعنى لازم أنزل أتمشى شوية. بينى وبنكم الفكرة بدئت تلف فى دماغى، خصوصاً وإنى كنت عايزة أجيب الديوان اللى نزل فى مكتبة الأسرة لـــ"حسن إسماعيل". وقلت فى عقلى يالا يابنت قومى إلبسى وإنزلى.
وفعلاً نزلت أتمشى فى الهواء الطلق وكما هو سابق التحديد، أنزل وأدخل من البوابة الخلفية للنادى، وأتمشى فى شارع طويل –سموه شارع الحب عندنا- ، ثم أعطف للشمال قليلاً وألاقى المكتبة فى وشى على طول. وكالمخطط برضو أمد إيدى لآخر رف ع الشمال، أقعد أدور نص ساعة كدة وأطلعلى بكام حاجة.. أخرج لصاحب المكتبة وأدفع الفلوس وهو يدينى الكتب فى شنطة وعلى وشه منطبعة نفس الإبتسامة الساحرة.
وتستفيض الأخبار بذلك عن بنى عذرة وغيرهم من الأعراب فى هذا العصر الإسلامى عصر مجنون ليلى وجميل بثينة وقيس بن ذريح،
سئل رجل فى عذرة: ممن أنت؟
قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا.
وقال رجل لعروة بن حزام العذرى: ياهذا بالله أصحيح ما يقال عنكم: أنكم قوم أرق الناس قلوباً؟
قال: نعم والله لقد تركت ثلاثين شابا قد خامرهم الموت، مالهم داء إلا الحب.
وقيل لبثينة: هذا جميل يتعذب فى حبك فهل عندك شئ تنفسين به وجده؟
فقالت: ما عندى أكثر من البكاء إلى أن ألقاه فى الدار الآخرة أو أزوره وهو ميت تحت الثرى.
خرجت من المكتبة وإكتشفت فى إيدى أربع كتب حتة واحدة.. "سيدة المنام" لــ"سحر الموجى"، "يوسف إدريس وعالمه" لــ"عبد الرحمن أبو عوف"، "شئون وشجون تاريخية" لــ"د. يونان لبيب رزق"، و "الحب العذرى عند العرب" لــ"د. شوقى ضيف"..
ومخبش عليكم الكتاب الأخير دة حاجة كدة من عالم تانى.. شدنى من أول صفحة. حكايات من زمن فات لمجنون ليلى وجميل وبثينة وكثير وعزة... ولايمكن يعود الزمان دة تانى. ومستحيل يعود تانى. حتى ولا فى الأغانى..
ولما تعبت قفلت الأباجورة وحاولت أنام، لكنى فقت على صوت فرامل عربية فى الشارع.
ويظهر أن القصاص لم يدركوا سبب هذا الغزل المحروم وأن مثالية الإسلام الخليقة هى التى دفعت إليه، فوضعوا من عند أنفسهم سببا ظنوا أنهم به يستطيعون أن يوجدوا العقدة النفسية التى أحدثت هذا الحرمان، وهو أنهم يروون أن العرب فى هذا العصر الإسلامى الذى ظهر فيه ذلك الغزل العذرى أبدا كانوا يكرهون أن يزوجوا فتياتهم من عشاقهم الذين ينظمون فيهم أشعارهم، فيفضحونهن ويفضحون عشائرهن، وهى فضيحة كبرى لم يكن بد من أن يعاقب عليها العاشق، فيحرم من معشوقته.