كان الأدب الكلاسيكي يعد أدب العقل والصنعة الماهرة وجمال الشكل،
والمواضيع الإنسانية العامة، واتباع الأصول الفنية القديمة.
فجاءت الرومانسية لتشيد بأدب العاطفة والحزن والألم والخيال
والتمرد الوجداني، والفرار من الواقع، والتخلص من استعباد الأصول التقليدية للأدب.
وكانت البلاد الفرنسية المهد الأول للرومانسية
وقد اشتق هذا المصطلح ( رومانس ) من كلمة [ roman ] وكانت تعني في العصور الوسطى
: حكاية المغامرات شعرا ونثرا. وقد دخلت هذه الكلمة الإنجليزية بهذه الدلالة ،
ثم أصبحت مصطلحا يدل على مجموعة الصفات التي تتصف بها بعض
الأعمال الأدبية كالعاطفة الشديدة والغرابة ، ثم أصبحت اسما لمذهب
أدبي يضم هذه الصفات (الغرابة والعاطفة الشديدة والحزن العميق ).
من مبادئها الاساسية
ربط الأدب بالعاطفة والوجدان ، وإعلاء المشاعر الذاتية والذوق الفردي ،
فمصدر الجمال ومنبع الإلهام هما الذوق والعاطفة ،
وليس العقل كما تراه الكلاسيكية . ولذلك هجا أحد المؤسسين للرومانسية العقل بقوله :
( هو منبع الأخطاء ... والسم الذي يفسد مشاعرنا نحو الطبيعة ويقتل الحقيقة التي منبعها القلب ) .
ثم تعظيم شأن الخيال وإطلاق حريته في ارتياد الآفاق التي يريدها .
فهو شيء أساسي ؛ لأنهم يعتقدون باستحالة الشعر بدونه ،
وإنه الشيء الوحيد الذي يجعلهم شعراء ، وهو عالم الخلود ،
وله دور كبير في هروب الرومانسي من الواقع المرعب الذي تضيق فيه أنفاسه من ثقله
ووطأته فيهرب إلى عوالم مثالية سحرية بواسطة الخيال .
وبذلك يتسنى له الهروب من الواقع ومشكلاته بمختلف تعرجاتها ...
الافتتان بالطبيعة والعوالم الغريبة والأحلام . فهم يعشقون الطبيعة
استجابة لعبارة [ روسو] الشهيرة ( عودوا إلى الطبيعة ) ويتبع ذلك هجر المدينة بحثاً
عن المتعة والانفصال عن الناس ،. ومن عشقهم للطبيعة جاء عشقهم العنيف
للريف وأنه مصدر للإلهام والإبداع والتجلي ؛ حيث الطبيعة البكر والهواء العبق المصفى .
ثم التعلق بالحزن والتلذذ بالألم ، واعتباره فلسفة تطهر النفس ، ونشر الإحساس بالكآبة (مرض العصر) !.
والشكوى من الواقع والتقاليد الاجتماعية ، مبدين عدم اقتناعهم بالعالم المعاصر ،
وقلقهم المستمر المتجذر في مواجهة الحياة ؛ لذا كان الحزن والألم أهم سمة ميزت أدبهم ،
ومن خلال الألم نشدوا العظمة والسمو . يقول أحدهم ( لا شيء يجعلنا عظما مثل ألم عظيم )
وكانوا يتمنون الموت في أسعد لحظات حياتهم لشعورهم بأن هذه السعادة لا تدوم ،
مما صبغ روحهم وأدبهم بالتشاؤم ، حتى قال أحد النقاد الفرنسيين
منتقداً هذا التوجه من المذهب ( لو كان الأدب الرومانسي صورة للمجتمع
لكان لزاماً علينا أن نيأس من المجتمع الفرنسي )
بظهور مذهب اخر وهو ( الواقعية ) بدا افول نجم الرومانسية
ومهما قيل عن
تنوعها وتعقيدها واغراقها في الغرابة الا انها كانت تمثل عصرها
حيث عكست اضطراب المجتمع الاوروبي انذاك باحداثه السياسية
وتغيراته الاجتماعية وثوراته الفكرية . ومع ان الرومانسية قد اندثرت الا ان بعض افكارها
لا تزال تلقى قبولا لدى كثير من الادباء والشعراء حتى اليوم ...
....................